المعارضون الإيرانيون خارج وطنهم.. بين ملاحقات النظام ورفض طلبات اللجوء

المعارضون الإيرانيون خارج وطنهم.. بين ملاحقات النظام ورفض طلبات اللجوء

على الرغم من الدعم العلني من قادة الغرب للمعارضين الإيرانيين خلال احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" عام 2022، يقول أولئك الذين فروا من قمع نظام طهران إن الأمان ما زال بعيد المنال بالنسبة لهم.
وبعد أكثر من عامين على انطلاق احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، يقول هؤلاء المعارضون في مقابلات مع "إيران إنترناشيونال" إنهم وقعوا في دوامة من رفض طلبات اللجوء.
وبعد أن خاطروا بكل شيء للفرار من إيران- حتى بآخر دولاراتهم- باتوا الآن منتشرين في أماكن مختلفة مثل أوروبا وكندا وتركيا، لكن التهديدات من السلطات الإيرانية ما زالت تلاحقهم.
أثارت مشاركة هؤلاء المعارضين- إلى جانب آلاف الإيرانيين الآخرين- في الاحتجاجات الشاملة، اهتمامًا عالميًا. هذه الاحتجاجات، التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني، أصبحت نقطة تحول مهمة وهزت أسس نظام طهران.
كان رد طهران على هذه الاحتجاجات سريعًا وعنيفًا، مما أدى إلى اعتقال عشرات الآلاف ومقتل ما لا يقل عن 551 شخصًا، بينهم 68 طفلًا. كما استخدمت قوات النظام العنف الجنسي والاغتصاب والتعذيب والإعدامات العشوائية لقمع الانتفاضة بوحشية.
وبينما طالب الإيرانيون بإسقاط النظام في بلادهم، أبدى قادة الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا، إلى جانب مسؤولين أوروبيين، تضامنهم العلني مع المحتجين. لكن وفقًا للاجئين الذين تحدثت معهم "إيران إنترناشيونال"، لم تتحول هذه الوعود بعد إلى دعم حقيقي.
وعلى الرغم من التزام بعض القادة الغربيين بتسهيل عملية قبول اللاجئين الإيرانيين، لا يزال العديد من طالبي اللجوء يواجهون تأخيرات طويلة وعقبات بيروقراطية، وفي بعض الحالات حتى خطر الترحيل.
لأسباب أمنية، تم حذف بعض التفاصيل المتعلقة بالوضع الحالي للمعارضين الذين تمت مقابلتهم في هذا التقرير.


ثمن الاحتجاج في إيران

بالنسبة لميلاد أرسنجاني، لم يكن الفرار من الوطن خيارًا، بل كما يقول، كان ضرورة حتمية للبقاء على قيد الحياة. ميلاد، البالغ من العمر 36 عامًا، شارك لأول مرة في احتجاجات مناهضة للنظام قبل 6 سنوات، ويقول إنه منذ ذلك الحين كان دائمًا هدفًا للمسؤولين، ووقع في دوامة من الاعتقالات المتكررة.
كانت الاحتجاجات الشاملة في نوفمبر (تشرين الأول) 2019، التي يسميها الإيرانيون "نوفمبر الدامي"، من أكثر عمليات القمع دموية التي قام بها النظام الإيراني؛ حيث قتلت القوات الأمنية حوالي 1500 شخص في غضون أسبوعين.
يقول ميلاد: "منذ ذلك الوقت، أطول مدة قضيتها خارج السجن كانت شهرين ونصف الشهر. في كل مرة يطلق سراحي، كانوا يعتقلونني مرة أخرى بعد شهر أو شهرين". ويقدّر أنه قضى ما مجموعه ثلاثة أعوام في السجن.
خلال فترة سجنه، تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك الشتائم والضرب المبرح والحبس الانفرادي لفترات طويلة. أُطلق سراح ميلاد بعد قضائه ستة أشهر في السجن بسبب مشاركته في "احتجاجات مهسا"، لكنه ظل يواجه تهديدات مستمرة بالقتل من قبل عملاء الاستخبارات.
في النهاية، باع كل ممتلكاته ودفع تكاليف هروبه من المال الذي جمعه من سنوات العمل، وفرّ من إيران على الرغم من أن ذلك كان آخر ما يريده. في ديسمبر (كانون الأول) 2023، عبر الحدود الإيرانية ودخل تركيا، على أمل الوصول إلى أوروبا يومًا ما.
بعد عام من تقديم طلب اللجوء إلى أوروبا، واجه ميلاد إخفاقات متتالية. رُفض دخوله إلى إيطاليا، وأُعيد من مياه اليونان، وطُرد من مخيم اللاجئين في "مالاكاسا" بالقرب من أثينا. حتى الآن، رفضت دولتان أوروبيتان أخريان طلبه للجوء. لكنه ما زال يأمل ويبحث بلا كلل عن الأمان في الغرب.
كان حسين أشترى يبلغ من العمر 22 عامًا عندما أطلقت قوات النظام رصاصة من بندقية "بينت بول" على وجهه، مما تسبب في إصابة شديدة في عينه اليسرى.
"أشترى" واحد من أكثر من 580 متظاهرًا إيرانيًا فقدوا أبصارهم خلال القمع بسبب إطلاق الرصاص المطاطي و"بينت بول" من مسافة قريبة. يقول إن النظام كان يعمد إلى إصابة عيون المحتجين لتخويفهم.
ويقول إن مسؤولي النظام الإيراني، الذين يرتعبون من وسائل الإعلام الغربية وتغطيتها لهذه الجرائم، يحاولون إسكات الناجين من هذه الهجمات عبر التهديد بالاعتقال والتخويف.
حسين أشتري، الذي لم يكن لديه خيار للبقاء، فرّ إلى تركيا وقدم طلبًا للحصول على تأشيرة إنسانية إلى كندا، لكنه لم يتلقَ أي رد حتى الآن.
ويعيش الآن في مدينة صغيرة بتركيا، ويعاني من وضع صحي حرج بسبب عدم توفّر الرعاية الطبية المناسبة لعينه. ومع ذلك، لا يزال يتلقى مكالمات تهديدية من مسؤولي النظام الإيراني. يقول: "ما زالوا يتصلون بي من أرقام مجهولة ويهددونني، وكأنني ما زلت في متناول أيديهم".
ميلاد أرسنجاني أيضًا لا يزال تحت التهديد المستمر من قبل قوات الأمن. يقول إن هذه الأجهزة لا تزال تتصل به لإسكاته. وقرر إخفاء مكان إقامته الحالي خوفًا على سلامته.
وقد تحدث عن التحديات التي يواجهها في الحصول على اللجوء في أوروبا، حيث تعطي أنظمة الهجرة في القارة الأولوية للمتقدمين الذين ينتمون إلى مجموعات سياسية معروفة، مما يضع نشطاء مستقلين مثله في وضع غير متكافئ.
وأضاف قائلًا: "مسؤولو الهجرة الأوروبيون يسألون دائمًا: إلى أي حزب تنتمي؟ ما هي المجموعة التي ترتبط بها؟". اقترح عليه بعض طالبي اللجوء الكذب والادعاء بأنه يتعرض للاضطهاد بسبب تغيير دينه، حيث يمكن أن يزيد ذلك من فرص قبول طلب اللجوء. لكن أرسنجاني يعتبر نفسه ناشطًا علمانيًا ورفض الكذب، على الرغم من خوفه من أن يكون صدقه سببًا في رفض طلب لجوئه. قبل شهرين، تم رفض طلب اللجوء الأخير لإرسنجاني.




قمع عائلات الضحايا

لقمع الاحتجاجات في الشارع، غالبًا ما يوسع مسؤولو النظام الإيراني نطاق القمع ليشمل عائلات الضحايا والنشطاء السياسيين.
من بين هؤلاء مريم، والدة أبو الفضل أمير عطائي البالغ من العمر 16 عامًا، الذي قُتل برصاص قوات الأمن أثناء مشاركته في الاحتجاجات في مدينة ري، جنوبي طهران، عام 2022.
أصيب أبو الفضل بجراح ناجمة عن إطلاق قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع على رأسه. بقيت مريم ثمانية أشهر كاملة إلى جانب سريره في المستشفى، وهي تأمل في شفائه، بينما كانت أجهزة الاستخبارات تهددها بالصمت.
لكن هذه التهديدات لم تمنعها من الاستمرار في نشر تفاصيل عن حالة ابنها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعندما رأت جثة ابنها للمرة الأخيرة في الثلاجة، قررت تكريس حياتها لإيصال صوته وأصوات الشباب الآخرين الذين قُتلوا على يد النظام. تقول: "همست في أذنه بأنني لن أسمح بإسكات صوته. لن أسمح بدفنه ونسيانه".
حتى بعد وفاة ابنها، هددها مسؤولو النظام بأنهم لن يتحملوا المسؤولية إذا تعرضت لـ"حادث مفاجئ". على الرغم من هذه التهديدات، كانت مريم تعلم أنها إذا أرادت الاستمرار في التحدث عن ابنها، عليها مغادرة إيران.
بمساعدة نشطاء حقوق الإنسان في أوروبا، تمكنت من الوصول إلى ألمانيا، حيث يتم النظر في طلب لجوئها. وانضم إليها أفراد عائلتها في النهاية، لكن المسؤولين الإيرانيين ما زالوا يرفضون إصدار شهادة وفاة وترخيص دفن لابنها.
ألمانيا، التي تستضيف مجتمعًا كبيرًا من الإيرانيين في المنفى، كانت لفترة طويلة الوجهة الرئيسية لأولئك الذين يفرون من القمع. ومع ذلك، في نهاية عام 2023، ألغت الحكومة الألمانية حظر ترحيل طالبي اللجوء الإيرانيين.
مع تزايد عمليات الإعدام في إيران، حذر نشطاء حقوق الإنسان من أن أي ترحيل لطالبي اللجوء سيعرضهم لخطر جسيم. وطالبوا باستمرار الدعم الدولي للاجئين الإيرانيين.
ميلاد محمدي، مثل والدة أبو الفضل أمير عطائي، أصبح هدفًا لأجهزة الأمن بعد دفاعه عن شقيقه، شهريار محمدي.
وقد قُتل شهريار محمدي، البالغ من العمر 28 عامًا، برصاص قوات النظام في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 في مدينة بوكان بمحافظة أذربيجان الغربية، التي أصبحت بؤرة لقمع الأكراد، بينما كان داخل سيارته.
ميلاد، الذي أصيب أيضًا برصاص خرطوش خلال الاحتجاجات، يقول إن المسؤولين هددوه بالصمت حول مقتل شقيقه. ومع تصاعد الضغوط، اختبأ لمدة شهرين في طهران، ثم بمساعدة مهربين، عبر الحدود الجبلية إلى العراق.
بعد وصوله إلى العراق، توجه ميلاد مباشرةً إلى مكتب الأمم المتحدة لتقديم طلب اللجوء، لكن مسؤولي الأمم المتحدة رفضوا تسجيل ملفه.
يقول ميلاد: "عندما رفضوا تسجيل ملفاتي، لم أرد أن أغادر المكان، لكنهم اعتقلوني وأبقوني رهن الاحتجاز لمدة 12 يومًا. كنت أتوسل إليهم أن يخبروني فقط لماذا اعتقلوني".
بعد الإفراج عنه، عاش ميلاد في الخفاء حتى تمكن من الحصول على تأشيرة إنسانية لكندا.
كما فرّ العديد من النشطاء البارزين في مجال حقوق الإنسان الإيرانيين أولاً إلى العراق ثم توجهوا إلى كندا بحثًا عن اللجوء. قضى كثيرون منهم أشهرًا مختبئين، حيث إن القوات الإيرانية بالوكالة في العراق لها تاريخ في اغتيال المعارضين.
وكانوا هناك في الوقت الذي كان فيه الحرس الثوري الإيراني يواصل شن هجمات صاروخية على إقليم كردستان العراق.
اتخذت كندا موقفًا واضحًا ضد قمع الاحتجاجات في إيران، واصفةً النظام الإيراني بـ"النظام القاسي"، وفرضت عقوبات، وقبلت عددًا كبيرًا من طلبات لجوء الإيرانيين.
لكن المنتقدين يقولون إن القيود المفروضة على التأشيرات الإنسانية والحصص المنخفضة لاستقبال اللاجئين تركت العديد من الإيرانيين عالقين في دول ثالثة، دون وجود طريق آمن للوصول إلى كندا.
مثله مثل باقي المعارضين الإيرانيين، يقول ميلاد محمدي إن التهديدات من مؤيدي النظام الإيراني لم تتوقف بعد وصوله إلى كندا. ورداً على ذلك، تواصل مع الشرطة الكندية.
وعلى الرغم من التهديدات والطريق الصعب الذي قاده إلى الأمان، لا يزال ملتزمًا بكشف جرائم نظام إيران، ويطلب من المجتمع الدولي "أن لا يغمض عينيه عن هذه الجرائم وأن يقف إلى جانب الشعب الإيراني".لضرب الاحتجاجات في الشارع، غالبًا ما يوسع مسؤولو النظام الإيراني نطاق القمع ليشمل عائلات الضحايا والنشطاء السياسيين.
من بين هؤلاء مريم، والدة أبو الفضل أمير عطائي البالغ من العمر 16 عامًا، الذي لقى مصرعه برصاص قوات الأمن أثناء مشاركته في الاحتجاجات في مدينة ري، جنوبي طهران، عام 2022.
أصيب أبو الفضل بجراح ناجمة عن إطلاق قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع على رأسه. بقيت مريم ثمانية أشهر كاملة إلى جانب سريره في المستشفى، وهي تأمل في شفائه، بينما كانت أجهزة الاستخبارات تهددها بالصمت. لكن هذه التهديدات لم تمنعها من الاستمرار في نشر تفاصيل عن حالة ابنها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعندما رأت جثة ابنها للمرة الأخيرة في الثلاجة، قررت تكريس حياتها لإيصال صوته وأصوات الشباب الآخرين الذين قُتلوا على يد النظام. فتقول: "همست في أذنه بأنني لن أسمح بإسكات صوته. لن أسمح بدفنه ونسيانه".
حتى بعد وفاة ابنها، هددها مسؤولو النظام بأنهم لن يتحملوا المسؤولية إذا تعرضت لـ"حادث مفاجئ". على الرغم من هذه التهديدات، كانت مريم تعلم أنها إذا أرادت الاستمرار في التحدث عن ابنها، عليها مغادرة إيران.
بمساعدة نشطاء حقوق الإنسان في أوروبا، تمكنت من الوصول إلى ألمانيا، حيث يتم النظر في طلب لجوئها. وانضم إليها أفراد عائلتها في النهاية، لكن المسؤولين الإيرانيين ما زالوا يرفضون إصدار شهادة وفاة وترخيص دفن لابنها.
ألمانيا، التي تستضيف جالية كبيرة من الإيرانيين في المنفى، كانت لفترة طويلة الوجهة الرئيسية لأولئك الذين يفرون من القمع. ومع ذلك، في نهاية عام 2023، ألغت الحكومة الألمانية حظر ترحيل طالبي اللجوء الإيرانيين.
مع تزايد عمليات الإعدام في إيران، حذر نشطاء حقوق الإنسان من أن أي ترحيل لطالبي اللجوء سيعرضهم لخطر جسيم. وطالبوا باستمرار الدعم الدولي للاجئين الإيرانيين.
ميلاد محمدي- مثل والدة أبو الفضل أمير عطائي- أصبح هدفًا لأجهزة الأمن بعد دفاعه عن شقيقه، شهريار محمدي.
وقد قُتل شهريار محمدي، البالغ من العمر 28 عامًا، برصاص قوات النظام في 18 نوفمبر 2022 في مدينة بوكان بمحافظة أذربيجان الغربية، التي أصبحت بؤرة لقمع الأكراد، بينما كان داخل سيارته.
في تلك الليلة، وبينما كان ميلاد يحاول حمل جثمان شقيقه، وقع في كمين لقوات الأمن التي استهدفته بالغاز المسيل للدموع والضرب بالهراوات، قبل أن تطلق عليه وعلى جثمان شقيقه الراحل النار باستخدام طلقات الخرطوش.
وبعدما سقط ميلاد بجوار جثمان شقيقه شهريار على الأرض، قام عناصر الأمن بحقنه بمادة مخدرة لإجباره على ترك الجثمان. كما هددوا والدتهما بأن عليها مرافقتهم خلال مراسم الدفن، وإلا فلن تعرف أبدًا أين تم دفن شهريار.
يقول ميلاد إنه تمكن بمساعدة أصدقائه من الوصول إلى مستشفى لتلقي العلاج، ثم اضطر إلى الاختباء. ويضيف بحسرة: "لم أرَ شهريار مرة أخرى، ولم أتمكن حتى من زيارة قبره ولو لمرة واحدة".
يقول ميلاد إن المسؤولين هددوه بالصمت حول مقتل شقيقه. ومع تصاعد الضغوط، اختبأ لمدة شهرين في طهران، ثم بمساعدة مهربين، عبر الحدود الجبلية إلى العراق.
بعد وصوله إلى العراق، توجه ميلاد مباشرةً إلى مكتب الأمم المتحدة لتقديم طلب اللجوء، لكن مسؤولي الأمم المتحدة رفضوا تسجيل ملفه.
يقول ميلاد: "عندما رفضوا تسجيل ملفي، رفضت مغادرة المكان، لكنهم اعتقلوني وأبقوني رهن الاحتجاز لمدة 12 يومًا. كنت أتوسل إليهم أن يخبروني فقط لماذا اعتقلوني".
بعد الإفراج عنه، عاش ميلاد في الخفاء حتى تمكن من الحصول على تأشيرة إنسانية لكندا.
كما فرّ العديد من النشطاء البارزين في مجال حقوق الإنسان الإيرانيين أولاً إلى العراق ثم توجهوا إلى كندا بحثًا عن اللجوء. قضى كثيرون منهم أشهرًا مختبئين، حيث إن القوات الإيرانية بالوكالة في العراق لها تاريخ في اغتيال المعارضين. هؤلاء النشطاء كانوا هناك في الوقت الذي كان فيه الحرس الثوري الإيراني يواصل شن هجمات صاروخية على إقليم كردستان العراق.
اتخذت كندا موقفًا واضحًا ضد قمع الاحتجاجات في إيران، واصفةً النظام الإيراني بـ"النظام القاسي"، وفرضت عقوبات، وقبلت عددًا كبيرًا من طلبات لجوء الإيرانيين.
لكن المنتقدين يقولون إن القيود المفروضة على التأشيرات الإنسانية والحصص المنخفضة لاستقبال اللاجئين تركت العديد من الإيرانيين عالقين في دول ثالثة، دون وجود طريق آمن للوصول إلى كندا.
مثله مثل باقي المعارضين الإيرانيين، يقول ميلاد محمدي إن التهديدات من مؤيدي النظام الإيراني لم تتوقف بعد وصوله إلى كندا. ورداً على ذلك، تواصل مع الشرطة الكندية.
وعلى الرغم من التهديدات والطريق الصعب الذي قاده إلى الأمان، لا يزال ملتزمًا بكشف جرائم نظام إيران، ويطلب من المجتمع الدولي "أن لا يغمض عينيه عن هذه الجرائم وأن يقف إلى جانب الشعب الإيراني".



تحويل الألم إلى نشاط

تحول العديد من الإيرانيين الذين فقدوا أحباءهم خلال الاحتجاجات، سواء تم اعتقالهم أو قتلهم، إلى العمل في مجال حقوق الإنسان.
إحدى هؤلاء هي نغار كوركور، البالغة من العمر 33 عامًا، التي قالت إنها دخلت عالم النشاط الحقوقي بعد اعتقال شقيقها مجاهد كوركور في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2022 وإصدار حكم الإعدام بحقه.
وهي التي كانت تحاول بلا كلل إنقاذ شقيقها؛ لجأت إلى وسائل التواصل الاجتماعي على أمل أن تؤدي زيادة الوعي العام إلى منع تنفيذ حكم الإعدام. لكن هذا الاهتمام من قبل وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة وأوروبا جعلها هدفًا مباشرًا للأجهزة الأمنية الإيرانية.
تقول نغار إنه لم يكن لديها خيار سوى الفرار. في يونيو (حزيران) 2023، عبرت من مدينة خوي، شمال غربي إيران، إلى تركيا. تتذكر تلك اللحظة قائلة: "بينما كنت أعبر الحدود، كنت أفكر باستمرار: ماذا لو اعتقلوني؟ إذا اعتقلوني، من سيتحدث نيابة عن أخي؟ كنت خائفة جدًا".
بعد رفض طلب لجوئها دون تقديم أي سبب، اضطرت للعمل بشكل غير رسمي في غسل الصحون في المطاعم لتغطية نفقات حياتها، وعاشت طوال هذا الوقت في خوف دائم من الترحيل إلى إيران.
وبفضل دعم النشطاء الإيرانيين المتطوعين، تمكنت كوركور من الحصول على تأشيرة إنسانية ومغادرة تركيا. وهي تعيش الآن في مكان غير معلوم في ألمانيا، في مخيم للاجئين بمدينة هادئة.
كوركور، التي تعاني من أورام في الجهاز الهضمي، تضطر للسفر إلى مدينة أخرى لتلقي العلاج. ومع ذلك، لا تزال تعمل على إيصال صوت شقيقها، وتأمل أن يدفع الاهتمام المتزايد من القادة الغربيين بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران إلى منع تنفيذ حكم الإعدام بحق شقيقها.
ناهيد مدرسي (38 عامًا)، واجهت أيضًا تهديدات من وزارة الاستخبارات الإيرانية بعد أن بدأت نشاطها من أجل إطلاق سراح شقيقتها إلهام مدرسي، التي اعتُقلت في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 وعُذِّبت.
تتذكر ناهيد إحدى المكالمات الهاتفية المهددة قائلة: "اتصلوا بي وهددوني بأنهم سيقتلونني أثناء نومي بطريقة لا يمكنني حتى تخيلها".
ناهيد، التي كانت قد غادرت إيران قبل سنوات من الاحتجاجات، أصبحت واحدة من أشد المدافعين عن إطلاق سراح شقيقتها خلال احتجاجات 2022، وأجرت مقابلات مع وسائل إعلام مستقلة خارج إيران.
وفي خطوة يبدو أنها انتقامية من قبل النظام الإيراني، شكّل النظام القضائي الإيراني عدة ملفات ضدها، بما في ذلك تهم "التعاون مع وسائل الإعلام المعادية" و"التجسس".
وعلى الرغم من أن ملفها قد تم قبوله في البداية من قبل الأمم المتحدة في تركيا، فإن سلطات الهجرة التركية رفضت في النهاية طلبها.
وتقول: "عندما استأنفت في المحكمة، رغم كل الأدلة التي تظهر أن حياتي في خطر في إيران، تم رفض طلب اللجوء مرة أخرى. الآن أعيش في حالة من التوتر والرعب الدائم، خوفًا من أن يتم تسليمي إلى إيران".
تؤكد ناهيد مدرسي أن تسليمها إلى طهران يعني التعذيب والسجن وحتى الإعدام. ومع التهديد المستمر بالترحيل من تركيا، وهو مصير أدى سابقًا إلى اعتقال واحتجاز المعارضين، تقول إنه لم يتبق لها سوى خيار واحد.
بمساعدة داعمين إيرانيين- كنديين، تمكنت من تسجيل طلب لجوئها قبل صدور قرار الترحيل، وهي الآن تنتظر نتيجة برنامج الدعم من مجموعة الخمس (G5) في كندا. ويستغرق مسار اللجوء عادة أكثر من عام.
طالبت عدة منظمات حقوقية تركيا بوقف إجراءات ترحيل ناهيد، كما دعت كندا إلى النظر في طلبها للحصول على تأشيرة إنسانية.
تأمل ناهيد في أن تتمكن في النهاية من اللحاق بأختها إلهام، التي حصلت على اللجوء في كندا العام الماضي.
مصير ضحايا قمع النظام الإيراني ألهم الناز برديا لدخول مجال النشاط الحقوقي، حتى من مقرها في أوروبا. وبصفتها المؤسسة المشاركة لحملة "حصتي من الحرية"، تعمل مع عشرات العائلات المتضررة من حركة "المرأة، الحياة، الحرية" لنقل قصصهم إلى العالم وجمع التبرعات للناجين وأحبائهم.
وتقول برديا: "أفهم جيدًا الألم والخوف والقلق الذي يعيشونه، لأنني مررت بنفس التجربة".
وتؤكد برديا أنها لم تستطع أن تبقى غير مبالية بمصير المحتجين، رغم تهديدات مسؤولي النظام الإيراني. وتقول: "أبناء جيلي، الذين يتشاركون نفس المخاوف ونفس العدو، تم استهدافهم بالرصاص. أشخاص كان يمكن أن يكونوا أخواتي أو إخوتي. لو كنت في إيران، ربما كنت واحدة منهم. من خلال هذه الحملة، حاولت أن أقوم بدوري في طريق الحرية".
تعتقد برديا أن العديد من طالبي اللجوء الإيرانيين مجبرون على الاعتماد على العلاقات الشخصية لمتابعة ملفاتهم أو دفع تكاليف باهظة لمحامي الهجرة.
وتطالب برديا القادة الغربيين باتخاذ إجراءات عملية لدعم المعارضين وطالبي اللجوء الإيرانيين، محذرة من أن "التعبير عن القلق وحده لن ينقذ حياة أولئك المعرضين للخطر ولن يساعدهم في الوصول إلى بر الأمان في الدول الديمقراطية".
في نوفمبر 2024، أقيم معرض في كولونيا بألمانيا بعنوان "ذكريات باقية"، لتكريم ضحايا 46 عامًا من قمع نظام إيران. وأكد أقارب الضحايا، الذين نظموا هذا المعرض، أن الروايات المقدمة في هذا الحدث تعرض فقط جزءًا من جرائم النظام.
وتؤكد برديا أن "الإيرانيين أيضًا ضحايا حرب مع نظام طهران.. نحن نعيش موتًا بطيئًا".




