ضدان جمعتهما المصالح:
ستة رجال شكلوا "العلاقات السرية" بين إيران وطالبان
قصة الصعود ثم السقوط.. ثم الصعود مجددا لقادة طالبان الذين تنقلوا بين إيران وأفغانستان خلال عقود من الحرب، تروي علاقةً نمت وترعرعت في الظل.
العودة العنيفة لطالبان، التي أدت في النهاية إلى طرد الأميركيين، وفّرت فرصةً لجواسيس إيرانيين من أجل تعزيز علاقات استمرت لعقدين مع شخصيات من أمثال الملا شيرين آخوند، وهو القائد الميداني الذي كان يقود آلاف المسلحين تحت إمرة زعيم الحركة الملا عمر، والذي فر إلى إيران بعد الهجوم الأميركي على وطنه، وبدأ تهريب الوقود في المناطق الحدودية بموافقة طهران.. الدعم الصبور لإيران أثمر الآن حليفا موثوقا، فقد عاد شيرين ليصبح أحد صانعي القرار الرئيسيين في طالبان.
قام الحرس الثوري الإيراني ببناء شبكة من الاتصالات والدعم مع قادة طالبان الذين تنقلوا بين البلدين، مما عزز تحالفًا قائمًا على المصلحة وليس الحب، وفقًا لتحقيقات "أفغانستان إنترناشيونال".
شكلت إيران، وأفغانستان تحت حكم طالبان- وهما قوتان منبوذتان تعانيان من ضغوط الولايات المتحدة، ومتعبتان من المواجهة معها- تعاونًا غير عادي.
إحداهما دولة شيعية، والأخرى "خلافة سنية". ظاهريًا، كانا يكرهان بعضهما البعض لعقود، لكن كلتيهما تكره واشنطن وداعش أكثر.
تقاربت الدولتان الآن في منطقة مضطربة، وربطت بينهما مجموعة من القادة الميدانيين، والملالي الجهاديون، وتهريب المخدرات، والمتمردون، والجواسيس المسلحون.
إحداهما دولة شيعية، والأخرى "خلافة سنية". ظاهريًا، كانا يكرهان بعضهما البعض لعقود، لكن كلتيهما تكره واشنطن وداعش أكثر.
تقاربت الدولتان الآن في منطقة مضطربة، وربطت بينهما مجموعة من القادة الميدانيين، والملالي الجهاديون، وتهريب المخدرات، والمتمردون، والجواسيس المسلحون.
بالنسبة لطهران، كانت الحرب الطويلة التي أضعفت عدوها الرئيسي، الولايات المتحدة، في الجوار فرصة لا يمكن تفويتها.
لكن طهران الآن بحاجة إلى أصدقاء أكثر من أي وقت مضى، حيث تراجعت قوتها في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا، بعد حرب استمرت 14 شهرًا مع إسرائيل. كما أن أفغانستان توفر عمقًا استراتيجيًا وشريكًا في قمع داعش ومجموعة جهادية سنية أخرى تُعرف بـ"جيش العدل".
أما بالنسبة لطالبان- الحكام الوحيدون في العالم الذين لم يتم الاعتراف بهم رسميًا من قبل أي دولة أخرى- فإن الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران يضمن وجود منطقة خلفية مستقرة، بينما تكافح تحت العقوبات وتواجه حربًا مفتوحة مع باكستان، التي كانت ذات يوم حليفتها الرئيسية.
مبادرة طهران لتعزيز العلاقات الشخصية مع كبار قادة طالبان ضمنت وجود جناح متعاطف مع مصالح إيران في قندهار، المعقل الرئيسي لطالبان.
ومع تزايد الأعداء والمشكلات، يمكنهما الآن الاعتماد على بعضهما البعض على الأقل.
من الكراهية إلى الاتفاق
في بداية الفترة الأولى لحكم طالبان على أجزاء من أفغانستان من 1996 إلى 2001، كانت العلاقات متوترة، وكان نفوذ باكستان على طالبان أقوى بكثير من إيران أو أي دولة أخرى.
كما أن الهجوم على القنصلية الإيرانية في مزار شريف عام 1998، عندما حاصرت طالبان المدينة خلال الحرب الأهلية الأفغانية، أدى إلى مقتل 11 دبلوماسيًا وموظفًا إيرانيًا، مما زاد من توتر العلاقات.
كما أن الهجوم على القنصلية الإيرانية في مزار شريف عام 1998، عندما حاصرت طالبان المدينة خلال الحرب الأهلية الأفغانية، أدى إلى مقتل 11 دبلوماسيًا وموظفًا إيرانيًا، مما زاد من توتر العلاقات.
وبعد سقوط حكم طالبان في 2001، وخلال الاحتلال الأميركي لأفغانستان، رأت طهران في طالبان أداة لإلحاق ضرر عسكري واقتصادي بالولايات المتحدة.
تزامن هذا الهدف مع أهداف طالبان، فقدمت طهران دعما غير مباشر من خلال توفير الموارد والملاذات الآمنة لطالبان، والحفاظ على تخفيف حدة الصراع مما أضعف الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب، وأطاح بها في النهاية.
ومع خروج واشنطن من أفغانستان وتحمل طهران المزيد من الهزائم عقب الصراع الإقليمي الذي بدأ في 7 أكتوبر (تشرين الأول) مع إسرائيل، يبدو أن العلاقة بين النظامين الجارين تتجه نحو مزيد من الازدهار.
كما أن التعاون يتسع في مجالات أمن الحدود، والتجارة، ومكافحة الإرهاب الإقليمي. بالإضافة إلى أن العلاقات الشخصية التي تم تعزيزها مع كبار قادة طالبان تدعم مصالح إيران في هذا الجوار المضطرب.
محمد إبراهيم صدر
الصديق المخلص للحرس الثوري
عبدالحق وثیق
جاسوس
عبدالقیوم ذاکر
حلقة الوصل بين القاعدة وإيران
محمد إبراهيم صدر:
الصديق المخلص للحرس الثوري
وبعد لجوئه إلى مدن شرق إيران مثل مشهد وزاهدان وخاف في محافظة خراسان الجنوبية، أسس صدر مدرسة "العمرية" في عام 2008 في نصرت آباد ببلوشستان.
ووفقًا لقول معلم ديني مطلع على أعمال المدرسة ودبلوماسي أفغاني سابق، كانت المدرسة تُدرب مقاتلي طالبان من جميع أنحاء أفغانستان، من هلمند في الغرب إلى غزني وزابل وقندهار في الشرق، الذين كانوا يقاتلون التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في هلمند.
وقال مسؤول استخباراتي سابق- بشرط عدم الكشف عن هويته- لـ"أفغانستان إنترناشيونال": "كانت المدرسة مركزًا استخباراتيًا سريًا تدعمه إيران ماليًا ولوجستيًا. وكان الهدف تعزيز الوجود على الحدود المشتركة بين أفغانستان وإيران ومنع توسع النفوذ الأميركي في إيران".
وفي عام 2017، تعرضت المدرسة لانفجار غامض أودى بحياة 11 مقاتلًا من طالبان. وقالت مصادر أمنية لـ"أفغانستان إنترناشيونال" إن عملاء استخباراتيين تابعين للحكومة الأفغانية آنذاك نفذوا الهجوم، لكنهم أخفوا دورهم لتجنب استفزاز إيران.
وسرعان ما جذب التعاون الوثيق بين صدر وإيران انتباه واشنطن. ففي بيان صدر في أكتوبر (تشرين الأول)، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية إبراهيم صدر كقناة تمويل إيرانية لطالبان، قائلة: "في عام 2018، وافقت السلطات الإيرانية على تقديم دعم مالي وتدريب فردي لإبراهيم من أجل تجنب أي تتبع محتمل لإيران".
وأضاف البيان: "ساعد المدربون الإيرانيون في تعزيز القدرات التكتيكية والقتالية لطالبان".
وبعد العقوبات الأميركية والانفجار في مدرسة إبراهيم صدر الدينية، قال مسؤولون أمنيون سابقون في الحكومة الأفغانية إن الحرس الثوري وافق على تقديم المزيد من الدعم المالي واللوجستي له بشرط إبقاء اتصالاته مع طهران سرية.
وتحت هذه السياسة، كانت المساعدات الإيرانية تصل بانتظام إلى المدرسة الجديدة التي أسسها إبراهيم صدر في إيران، وكذلك إلى المدارس الأخرى التي يديرها في ولاية الحدود الشمالية الغربية الباكستانية. وتم تأكيد ذلك من قبل مسؤولين أمنيين سابقين ودبلوماسي سابق.
وفي إيران، عمل مدربو الحرس الثوري على تعزيز القدرات القتالية لطالبان.
وقال مسؤول سابق في المديرية الوطنية للأمن (NDS)- وهي الهيئة الاستخباراتية الرئيسية في الحكومة السابقة- قال لـ"أفغانستان إنترناشيونال": "تلقت طالبان أسلحة إيرانية، بما في ذلك البنادق، خلال تلك السنوات".
ومنذ عام 2016 إلى عام 2020، ترأس إبراهيم صدر اللجنة العسكرية لطالبان في بيشاور الباكستانية– وهو المنصب الذي منحه قيادة المعارك في ولاية هلمند- حيث خاض معارك شرسة ودموية ضد القوات الأفغانية المدعومة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ووفقًا لتصريحات مسؤولين أمنيين سابقين في الحكومة الأفغانية ومصدر من طالبان، فقد أعطى الدعم الإيراني زخمًا لإعادة الهيكلة الواسعة التي قام بها إبراهيم صدر في قوات طالبان، وساهم بشكل كبير في الانتصار العسكري لطالبان في هلمند. وقد اعتقدت الحكومة الأفغانية أن قواتها قتلت إبراهيم صدر في معركة عام 2020، لكنها أصيبت بخيبة أمل عندما اكتشفت أنه نجا وتعافى في مستشفى إيراني.
وقال مصدر مقرب من طالبان إن "إبراهيم صدر ليس مجرد قائد، بل هو ركن أساسي في إعادة الهيكلة العسكرية لطالبان".
كما أن الحياة الشخصية لإبراهيم صدر متشابكة مع أنشطته السياسية والعسكرية. فقد عاشت زوجتاه في إيران حتى عام 2020.
ووفقًا لمسؤول سابق رفيع المستوى في طالبان ومسؤولين أمنيين سابقين في الحكومة الأفغانية السابقة، كان تهريب المخدرات بين هلمند وإيران عبر باكستان- بموافقة ضمنية من إيران- يعزز عمليات زيادة الدخل لطالبان تحت إشراف إبراهيم صدر.
لقد وسّع إبراهيم صدر نفوذه من هلمند إلى مركز صنع القرار في طالبان في قندهار، ورفع العلاقات مع إيران إلى مستوى جديد.
وتحت قيادة طالبان الحالية، لا يزال دور إبراهيم صدر محوريًا في الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية للحركة.
وبعد لجوئه إلى مدن شرق إيران مثل مشهد وزاهدان وخاف في محافظة خراسان الجنوبية، أسس صدر مدرسة "العمرية" في عام 2008 في نصرت آباد ببلوشستان.
ووفقًا لقول معلم ديني مطلع على أعمال المدرسة ودبلوماسي أفغاني سابق، كانت المدرسة تُدرب مقاتلي طالبان من جميع أنحاء أفغانستان، من هلمند في الغرب إلى غزني وزابل وقندهار في الشرق، الذين كانوا يقاتلون التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في هلمند.
وقال مسؤول استخباراتي سابق- بشرط عدم الكشف عن هويته- لـ"أفغانستان إنترناشيونال": "كانت المدرسة مركزًا استخباراتيًا سريًا تدعمه إيران ماليًا ولوجستيًا. وكان الهدف تعزيز الوجود على الحدود المشتركة بين أفغانستان وإيران ومنع توسع النفوذ الأميركي في إيران".
وفي عام 2017، تعرضت المدرسة لانفجار غامض أودى بحياة 11 مقاتلًا من طالبان. وقالت مصادر أمنية لـ"أفغانستان إنترناشيونال" إن عملاء استخباراتيين تابعين للحكومة الأفغانية آنذاك نفذوا الهجوم، لكنهم أخفوا دورهم لتجنب استفزاز إيران.
وسرعان ما جذب التعاون الوثيق بين صدر وإيران انتباه واشنطن. ففي بيان صدر في أكتوبر (تشرين الأول)، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية إبراهيم صدر كقناة تمويل إيرانية لطالبان، قائلة: "في عام 2018، وافقت السلطات الإيرانية على تقديم دعم مالي وتدريب فردي لإبراهيم من أجل تجنب أي تتبع محتمل لإيران".
وأضاف البيان: "ساعد المدربون الإيرانيون في تعزيز القدرات التكتيكية والقتالية لطالبان".
وبعد العقوبات الأميركية والانفجار في مدرسة إبراهيم صدر الدينية، قال مسؤولون أمنيون سابقون في الحكومة الأفغانية إن الحرس الثوري وافق على تقديم المزيد من الدعم المالي واللوجستي له بشرط إبقاء اتصالاته مع طهران سرية.
وتحت هذه السياسة، كانت المساعدات الإيرانية تصل بانتظام إلى المدرسة الجديدة التي أسسها إبراهيم صدر في إيران، وكذلك إلى المدارس الأخرى التي يديرها في ولاية الحدود الشمالية الغربية الباكستانية. وتم تأكيد ذلك من قبل مسؤولين أمنيين سابقين ودبلوماسي سابق.
وفي إيران، عمل مدربو الحرس الثوري على تعزيز القدرات القتالية لطالبان.
وقال مسؤول سابق في المديرية الوطنية للأمن (NDS)- وهي الهيئة الاستخباراتية الرئيسية في الحكومة السابقة- قال لـ"أفغانستان إنترناشيونال": "تلقت طالبان أسلحة إيرانية، بما في ذلك البنادق، خلال تلك السنوات".
ومنذ عام 2016 إلى عام 2020، ترأس إبراهيم صدر اللجنة العسكرية لطالبان في بيشاور الباكستانية– وهو المنصب الذي منحه قيادة المعارك في ولاية هلمند- حيث خاض معارك شرسة ودموية ضد القوات الأفغانية المدعومة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ووفقًا لتصريحات مسؤولين أمنيين سابقين في الحكومة الأفغانية ومصدر من طالبان، فقد أعطى الدعم الإيراني زخمًا لإعادة الهيكلة الواسعة التي قام بها إبراهيم صدر في قوات طالبان، وساهم بشكل كبير في الانتصار العسكري لطالبان في هلمند. وقد اعتقدت الحكومة الأفغانية أن قواتها قتلت إبراهيم صدر في معركة عام 2020، لكنها أصيبت بخيبة أمل عندما اكتشفت أنه نجا وتعافى في مستشفى إيراني.
وقال مصدر مقرب من طالبان إن "إبراهيم صدر ليس مجرد قائد، بل هو ركن أساسي في إعادة الهيكلة العسكرية لطالبان".
كما أن الحياة الشخصية لإبراهيم صدر متشابكة مع أنشطته السياسية والعسكرية. فقد عاشت زوجتاه في إيران حتى عام 2020.
ووفقًا لمسؤول سابق رفيع المستوى في طالبان ومسؤولين أمنيين سابقين في الحكومة الأفغانية السابقة، كان تهريب المخدرات بين هلمند وإيران عبر باكستان- بموافقة ضمنية من إيران- يعزز عمليات زيادة الدخل لطالبان تحت إشراف إبراهيم صدر.
لقد وسّع إبراهيم صدر نفوذه من هلمند إلى مركز صنع القرار في طالبان في قندهار، ورفع العلاقات مع إيران إلى مستوى جديد.
وتحت قيادة طالبان الحالية، لا يزال دور إبراهيم صدر محوريًا في الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية للحركة.
عبد الحق وثيق:
الرابط بين إيران واستخبارات طالبان
عندما تحولت طالبان من مجموعة غير معروفة نسبيًا إلى السيطرة على ثلاثة أرباع أفغانستان في عام 1996 وتمركزت على حدود إيران، فإن الموقف الجهادي السني المتشدد للحركة ووجود مقاتلين باكستانيين معادين للشيعة أزعج طهران.
لكن أحد أبرز شخصيات طالبان، الذي عاش في إيران فترةً، وامتدت مسيرته من السجن الأميركي سيئ السمعة في خليج غوانتانامو في كوبا إلى رئاسة استخبارات طالبان، عمل بمهارة على تحسين العلاقات.
هذا الشخص هو عبد الحق وثيق، الذي عاش مع عائلته في زاهدان شرقي إيران قبل تأسيس طالبان أوائل التسعينيات وسيطرتها النهائية.
في ذلك الوقت، كان قاري أحمد الله، شقيق زوجة وثيق، زعيم مجموعة إسلامية أخرى تُعرف باسم "الحزب الإسلامي" في محافظة بلوشستان جنوب شرقي إيران.
عندما استولت طالبان على كابول، تم تعيين أحمد الله رئيسًا لجهاز استخبارات طالبان، وأصبح وثيق مساعده أولًا ثم رئيس استخبارات طالبان في كابول. وتم توسيع صلاحياته لاحقًا للإشراف على الجماعات المسلحة المتطرفة الأخرى في باكستان وإيران.
في عام 1998، كان وثيق يتنقل بين أراضي أربع جماعات متطرفة لم تنضم بعد إلى طالبان، في اجتماعات عُقدت بمنطقة كويتا في باكستان، وبهرامجة جنوب غربي هلمند، وفي بلوشستان جنوب شرقي إيران.
بعد توقيع اتفاقية خماسية في هلمند مع هذه الجماعات، كسب وثيق ثقة الملا عمر وأصبح أحد أقرب مساعديه، حيث كان مسؤولًا عن واحد من أكثر ملفات طالبان تعقيدًا، وهو: "الإدارة الدبلوماسية لزعيم طالبان المنعزل مع إيران".
ووفقًا لقول مسؤولين سابقين رفيعي المستوى في طالبان، بعد تعيينه نائبًا لرئيس الاستخبارات، كلفه الملا عمر، الزعيم آنذاك، بإدارة العلاقات مع إيران والدول الأوروبية.
ووفقًا لوثائق دبلوماسية أميركية كشف عنها موقع "ويكيليكس"، كان وثيق حلقة وصل رئيسية بين طالبان والقاعدة. وقامت قوات التحالف التي غزت أفغانستان باعتقاله في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 ونقلته إلى سجن خليج غوانتانامو الأميركي في كوبا، حيث قضى وثيق 12 عامًا هناك.
اتُهم وثيق بتوفير ملاذات آمنة للعديد من أعضاء تنظيم القاعدة على الحدود مع إيران، ونقل وتجهيز فروع القاعدة الموالية لإيران إلى غزني وبكتيكا وموقع مقاومتها الأخير في تورا بورا، والإشراف على أمن معسكرات تدريب التنظيم.
ووفقًا لقول مسؤول سابق في طالبان، هاجرت زوجته الأولى وأمه وعائلته إلى إيران في عام 2002، واستقروا في بلدة صغيرة شرقي زاهدان، مما عزز العلاقات الشخصية مع طهران.
كما انضم ثلاثة من أفراد عائلته إلى إبراهيم صدر في مدرسة "العمرية" جنوب شرقي إيران، وقُتل أخو إحدى زوجاته في انفجار المدرسة عام 2017.
أطلقت الولايات المتحدة سراح وثيق في صفقة لتبادل السجناء بوساطة قطرية مع الجندي الأميركي بووي برغدال، ونقل إلى قطر عام 2014، حيث كان عضوا رئيسيا في فريق تفاوض طالبان بالدوحة.
وقال دبلوماسي سابق ومسؤول حكومي رفيع المستوى إن وثيق سافر أولًا من قطر إلى إسلام آباد، ثم إلى بلوشستان، وأخيرًا إلى إيران في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 للانضمام مرة أخرى إلى عائلته.
نائب سابق لعمليات المديرية الوطنية للأمن الأفغانية قال لـ"أفغانستان إنترناشيونال": "كنا على علم بسفره في عام 2016، وبعد الإبلاغ عن ذلك إلى القيادة المشتركة للاستخبارات، ناقشنا هذه المخاوف على المستوى الدبلوماسي مع إيران وباكستان".
وأضاف أن وثيق سافر إلى إيران أربع مرات بين عامي 2014 و2021، وأعاد بناء العلاقات مع الحرس الثوري الإيراني والتي كانت قد تأثرت سلبا خلال فترة سجنه الطويلة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2022، التقى وثيق في الدوحة مع ديفيد كوهين، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA).
وكان هذا اللقاء أول اجتماع على هذا المستوى الرفيع بين الطرفين منذ اغتيال الولايات المتحدة لزعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول أوائل ذلك العام. ولم تكشف أي من الولايات المتحدة أو حكومة طالبان عن محتوى هذا الاجتماع.
عبد القيوم ذاكر:
حلقة الوصل بين القاعدة وإيران
عبد القيوم ذاكر شخصية أخرى لعبت دورًا في تعزيز العلاقات بين إيران وطالبان، بالإضافة إلى دوره كحلقة وصل مع تنظيم القاعدة. ويُعتقد أن ذاكر ساعد في تنسيق العمليات المشتركة وتسهيل تدفق الأموال والموارد بين هذه الأطراف.
من هذه العمليات الدقيقة، إدارة عملية تبادل سجناء بين أعداء ألداء (القاعدة وإيران)، بواسطة أحد قادة طالبان غير التقليديين؛ وهو شخص كانت علاقته الوثيقة بالجهاديين الذين تكرههم طهران لافتة للنظر، لكن إيران أدركت قدرته الشديدة على إدارة هذه التنظيمات.
وفي عام 2010، قام عناصر من الحرس الثوري الإيراني بتسليم سيف العدل- أحد كبار قادة القاعدة الذي أصبح زعيم الشبكة بعد وفاة الظواهري- إلى مسلحين مرتبطين بطالبان مقابل دبلوماسي إيراني مختطف في باكستان اسمه حسام الله عطار زاده نيكي.
وقد لعب القائد البارز في طالبان، عبد القيوم، دورًا رئيسيًا في هذه المفاوضات الحساسة أيضا.
إلى ذلك، في تسعينيات القرن الماضي، اشترى الظواهري 150 سيارة لصالح ذاكر لدعم معاركه ضد أعداء طالبان. فقد اشتهر ذاكر بشخصيته الكاريزمية ومعرفته العسكرية، ولعب دورًا محوريًا في عودة طالبان إلى السلطة.
لقد قاد ذاكر قوات طالبان في معارك شرسة شمالي أفغانستان خلال فترة حكم طالبان في التسعينيات، وعُرف بأنه أحد أكثر قادة الحركة صرامة. وكانت مسيرته مليئة بالتقلبات الحادة.
في عام 2001، تم أسره في معركة شرسة من قبل قوات بقيادة عبدالرشيد دوستم، زعيم ميليشيا معادٍ لطالبان، وتم تسليمه إلى القوات الأميركية التي سجنته في غوانتانامو. لكن عبر مسار ملتوٍ مر عبر باكستان وإيران، عاد في 15 أغسطس (آب) 2021 على رأس قوات طالبان المنتصرة ليحتل القصر الرئاسي الأفغاني ويجلس على كرسي الرئيس السابق، أشرف غني، الذي فر من البلاد.
وفي خضم الصعوبات التي واجهها، انتقلت عائلته في عام 2003 إلى زاهدان شرقي إيران، حيث عاشت زوجاته الثلاث مع أطفالهن، وشقيقه، وستة من أصهاره.
وتم نقله في عام 2007 إلى سجن بول تشرخي في كابول، وأُطلق سراحه مرة أخرى في عام 2008 على أمل أن يساهم إطلاق سراحه هو وقادة طالبان الآخرين في تعزيز عملية السلام.
لكن بعد الإفراج عنه، انضم ذاكر مرة أخرى إلى القيادة العسكرية لطالبان، متنقلًا من هلمند جنوب غربي أفغانستان إلى كويتا في باكستان، وأخيرًا إلى زاهدان، شرقي إيران. وأسس مدرسة دينية تُسمى "خالد بن الوليد" بالقرب من منطقة عاشور في محافظة بلوشستان، حيث قدمت بالإضافة إلى التعليم الديني، تدريبات عسكرية لقوات طالبان من محافظات هلمند، وزابل، ونيمروز، وفراه.
وفي السياق، قال الرئيس السابق للمديرية الوطنية للأمن (NDS) في الحكومة الأفغانية السابقة، قال لـ"أفغانستان إنترناشيونال": "تم تأسيس هذه المدرسة بالتعاون المباشر مع النظام الإيراني".
والآن، يشغل ذاكر منصب نائب وزير الدفاع في طالبان، كما أنه يرأس المجلس الأمني لزعيم طالبان، الملا هبة الله، في قندهار.
بريج:
ملك تهريب المخدرات
كانت المخدرات واحدة من العملات الرئيسية في العلاقة الخطرة بين طهران وطالبان.
أما محمد نعيم بريج، الذي تحول من صراف في شوارع باكستان إلى ملك لتهريب المخدرات عالميا، ويخضع للعقوبات الأميركية، فقد كان في قلب هذه التجارة العابرة للحدود.
وصفته وزارة الخزانة الأميركية عام 2012 بأنه "مدير علاقات طالبان مع إيران".
وكان الإشراف على نقل المخدرات المنتجة في أفغانستان عبر إيران- رغم التناقض الواضح بين كلا النظامين الإسلاميين- كان أمرًا حيويًا لكسب العملة الأجنبية وإدارة العالم السفلي المسلح والخارج عن القانون.
وخلال فترة حكم طالبان في التسعينيات، شغل بريچ منصب نائب وزير شؤون القبائل، ثم نائب وزير الطيران المدني. وبعد سقوط طالبان عام 2001، انتقل إلى كويتا في باكستان.
وقد تم تفتيش شركة الصرافة الخاصة به عام 2002 من قبل الشرطة الباكستانية، وتم اعتقاله بتهمة غسيل الأموال لصالح طالبان، لكنه سافر بعد ذلك مع زوجته إلى إيران.
عاد بريج في النهاية إلى قندهار وانضم إلى اللجنة العسكرية لحركة طالبان.
وأصبح في النهاية حاكم الظل لطالبان في ولاية هلمند، حيث قام بتحويل الدولارات المهربة على المستوى الإقليمي، ونقل أجزاء من هذه الأموال غير المشروعة من المحافظات الجنوبية في أفغانستان إلى إيران.
ووفقًا لمسؤولين سابقين في الحكومة الأفغانية، في عام 2009، تم تفجير مصنع لمعالجة الهيروين في منطقة "بهرام شاه" بولاية هلمند، والذي كان يملكه بريج، مما أدى إلى مقتل أحد أبناء عمومته، وهو حدث أظهر ضلوعه في تجارة المخدرات.
استخدم بريج شركة صرافة تحت عقوبات الأمم المتحدة تُسمى "شركة التجارة السهلة"، مع فروع في أفغانستان، وباكستان، وإيران، لغسيل الأموال المكتسبة من تجارة المخدرات.
إسلامجار:
الملا الإيراني
ليس مقاتلًا بل رجل دين، قدم بعضًا من أكثر الأدوات فعالية لإيران ضد التهديد المستمر من جماعة "جيش العدل"، إحدى الجماعات المسلحة السنية.
هذه الجماعة الجهادية السنية، التي تتكون في الغالب من عرقية البلوش جنوب شرقي إيران، نفذت لسنوات هجمات مميتة ضد الحرس الثوري الإيراني ومؤسسات أمنية أخرى.
في عام 2018، أصدر الملا نور أحمد إسلامجار، رجل الدين الأفغاني المرتبط بطالبان، فتوى أعلن فيها أن جماعة "جيش العدل" هي جماعة كافرة تقاتل في صف الظلم. وقد ساعدت هذه الفتوى في تقليل نفوذ "جيش العدل".
يقول مسؤولون أمنيون ومحليون سابقون في أفغانستان إن هذه الهجمات اللفظية ضد المسلحين تمت بتحريض من عملاء استخبارات إيرانيين، كان إسلامجار على اتصال معهم منذ أن هرب إلى هذا البلد المجاور بعد الهجوم الأميركي على أفغانستان.
يشار إلى أن إسلامجار الواعظ السني المتطرف من أصول إيرانية، أسس مدرسة دينية مؤثرة في مدينة هرات الأفغانية، وكان له أتباع دينيون على جانبي الحدود.
وقد هاجر أسلافه من منطقة بيرنج في محافظة خراسان رضوي شمال شرقي إيران إلى هرات، واندمجوا في المجتمع الأفغاني. حيث كان والده أيضًا رجل دين متشددا.
وعمل إسلامجار قاضيًا محليًا في غرب أفغانستان خلال فترة حكم طالبان الأولى في التسعينيات، ثم انتقل بعد الإطاحة بطالبان إلى بلدة كوجك آباد في محافظة خراسان رضوي الإيرانية، وأسس هناك متجرًا ومدرسة دينية في عام 2004.
عاد إلى هرات في عام 2007 وأسس مدرسة دينية أخرى تعرضت لهجوم من قبل مسؤولي الاستخبارات الأفغانية، وتم اعتقال إسلامجار بتهمة إدارة المدرسة بتمويل إيراني، وتعليم التطرف.
مع مرور الوقت، حصل على لقب "الملا الإيراني" بين السكان المحليين. وبينما كان يتجنب السياسة الرسمية، فقد عُرف بأنه أحد المقربين من إبراهيم صدر، وقيوم ذاكر؛ وهم أشخاص يقول مسؤولون سابقون في الحكومة الأفغانية إنهم أصبحوا أصدقاء له خلال إقامتهم في إيران.
ليس مقاتلًا بل رجل دين، قدم بعضًا من أكثر الأدوات فعالية لإيران ضد التهديد المستمر من جماعة "جيش العدل"، إحدى الجماعات المسلحة السنية.
هذه الجماعة الجهادية السنية، التي تتكون في الغالب من عرقية البلوش جنوب شرقي إيران، نفذت لسنوات هجمات مميتة ضد الحرس الثوري الإيراني ومؤسسات أمنية أخرى.
في عام 2018، أصدر الملا نور أحمد إسلامجار، رجل الدين الأفغاني المرتبط بطالبان، فتوى أعلن فيها أن جماعة "جيش العدل" هي جماعة كافرة تقاتل في صف الظلم. وقد ساعدت هذه الفتوى في تقليل نفوذ "جيش العدل".
يقول مسؤولون أمنيون ومحليون سابقون في أفغانستان إن هذه الهجمات اللفظية ضد المسلحين تمت بتحريض من عملاء استخبارات إيرانيين، كان إسلامجار على اتصال معهم منذ أن هرب إلى هذا البلد المجاور بعد الهجوم الأميركي على أفغانستان.
يشار إلى أن إسلامجار الواعظ السني المتطرف من أصول إيرانية، أسس مدرسة دينية مؤثرة في مدينة هرات الأفغانية، وكان له أتباع دينيون على جانبي الحدود.
وقد هاجر أسلافه من منطقة بيرنج في محافظة خراسان رضوي شمال شرقي إيران إلى هرات، واندمجوا في المجتمع الأفغاني. حيث كان والده أيضًا رجل دين متشددا.
وعمل إسلامجار قاضيًا محليًا في غرب أفغانستان خلال فترة حكم طالبان الأولى في التسعينيات، ثم انتقل بعد الإطاحة بطالبان إلى بلدة كوجك آباد في محافظة خراسان رضوي الإيرانية، وأسس هناك متجرًا ومدرسة دينية في عام 2004.
عاد إلى هرات في عام 2007 وأسس مدرسة دينية أخرى تعرضت لهجوم من قبل مسؤولي الاستخبارات الأفغانية، وتم اعتقال إسلامجار بتهمة إدارة المدرسة بتمويل إيراني، وتعليم التطرف.
مع مرور الوقت، حصل على لقب "الملا الإيراني" بين السكان المحليين. وبينما كان يتجنب السياسة الرسمية، فقد عُرف بأنه أحد المقربين من إبراهيم صدر، وقيوم ذاكر؛ وهم أشخاص يقول مسؤولون سابقون في الحكومة الأفغانية إنهم أصبحوا أصدقاء له خلال إقامتهم في إيران.
الملا شيرين آخوند:
بلاء "جيش العدل"
أصبح الملا محمد شيرين آخوند أحد أبرز القادة والدبلوماسيين في طالبان، لكنه اكتسب شهرته في تجارة تهريب الوقود غير القانونية على الحدود، حيث جلبت اشتباكاته المسلحة المميتة مع مسلحي "جيش العدل" دعم طهران له.
ومع مرور الوقت، أصبح أحد الأدوات الرئيسية لإيران في إضعاف قوة هذه الجماعة ومنعها من الانتشار في أفغانستان.
وقال مصدر مطلع على الوضع في قندهار، مسقط رأس شيرين، لـ"أفغانستان إنترناشيونال": "يتم تمويل شيرين من قبل إيران لقتل أعضاء جماعة جيش العدل في أفغانستان، أو تسليمهم إلى إيران، أو نقل معلومات عنهم للمسؤولين الإيرانيين".
وأضاف المصدر: "تم تسجيل جميع كبار أعضاء جيش العدل والجماعات الأخرى المعادية لإيران في مكاتب الاستخبارات الإقليمية التابعة لطالبان".
يذكر أن شيرين كان صديقًا وزميلًا مقربًا للملا محمد عمر، مؤسس طالبان، وكان مسؤولًا عن أمنه وقاد قوة من 2700 رجل لحمايته.
وبعد سقوط طالبان، ذهب أولاً إلى مدينة تشمن في باكستان، بالقرب من حدود قندهار، ثم انتقل إلى زاهدان في إيران، حيث بدأ في تهريب الوقود إلى باكستان وأفغانستان.
ووفقًا لمسؤولين أمنيين أفغان ومصادر من طالبان، كان لشيرين اشتباكات مسلحة مع عناصر "جيش العدل" على طرق التهريب الحدودية بين أفغانستان وباكستان وإيران، الذين اعتبروه متطفلًا على أراضيهم غير الخاضعة للقانون.
كما أن شيرين- الذي كان حاكم الظل لطالبان في قندهار خلال الحرب مع التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة- واصل عداءه لجماعة "جيش العدل" التي كانت تفر من القوات الأمنية الإيرانية إلى المناطق الخارجة عن القانون في أفغانستان.
وقد زادت الهجمات المميتة لقوات شيرين، بما في ذلك في غزني في قلب البلاد، من رغبة "جيش العدل" في الانتقام. حيث هاجم أحد أعضاء الجماعة شيرين في عام 2010، مما أدى إلى إصابته بجروح متوسطة وقتل أحد حراسه.
هذه العمليات العسكرية الكبرى عززت من دور شيرين في قيادة طالبان، وفي عام 2018، خطط لهجوم على مكتب حاكم قندهار، مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة ومقتل ستة دبلوماسيين إماراتيين.
وقد أدت قدراته العسكرية إلى تعزيز مكانته في المجال الدبلوماسي أيضًا، وأُرسل شيرين كعضو في وفد طالبان إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في المفاوضات مع الولايات المتحدة، والتي أدت إلى انسحابها.
يشغل شيرين الآن منصب حاكم قندهار ونائب وزير المعلومات في وزارة الدفاع التابعة لطالبان، وهو أقرب مسؤول رفيع المستوى إلى الملا هبة الله آخوند زاده، زعيم طالبان.
وفي السياق، قال مسؤول سابق في طالبان لـ"أفغانستان إنترناشيونال": "لدى زعيم طالبان العديد من الأفراد المقربين الآخرين المؤيدين لإيران، الذين يشرفون على أمن المنطقة الجنوبية".
وأضاف: "هؤلاء الأفراد هم في الغالب أعضاء مهمون في دائرة الملا هبة الله وأشخاص موثوق بهم، ولديهم نظرة إيجابية تجاه إيران".