"إيران إنترناشيونال" تكشف:

العنف الجنسي الممنهج.. أداة النظام لقمع المتظاهرين في إيران

أظهر تحقيق أجرته "إيران إنترناشيونال"، على مدار عام، أن قوات الأمن الإيرانية استخدمت العنف الجنسي على نطاق واسع وممنهج؛ لقمع المتظاهرين بعدة محافظات في إيران عام 2022.

نيكي محجوب
صحافية- إيران إنترناشيونال

16 محرم 1446

العنف الجنسي أداة للقمع السياسي

وأكدت 3 رجال، و4 متظاهرات تتراوح أعمارهن بين 19 و43 عامًا، في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال"، قيام عناصر الأمن بالاعتداء الجنسي عليهم والاغتصاب بعد إلقاء القبض عليهم، في سيارات الأمن أو مراكز الاحتجاز السرية أو السجون.

وبدأت هذه الاحتجاجات بمقتل الشابة الإيرانية، مهسا جينا أميني، على يد عملاء دورية شرطة الأخلاق في سبتمبر (أيلول) 2022، واستمرت عدة أشهر، وأصبحت احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" فيما بعد التحدي الأكبر لنظام طهران ورجال الدين.

وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام على حملة القمع، التي شنتها القوات الأمنية والعسكرية، توثق روايات هؤلاء الضحايا جرائم التحرش والاعتداء الجنسي، الذي تعرض له المعارضون والمتظاهرون المعتقلون.

وتظهر هذه الروايات أيضًا أنه بعد مرور 45 عامًا على تأسيسه، يواصل نظام الجمهورية الإسلامية استخدام العنف الجنسي ضد الرجال والنساء، على حد سواء، كوسيلة للقمع للحفاظ على السلطة.

العنف الجنسي أداة للقمع السياسي

وفقًا لمقابلات أُجريت مع متظاهرين تم اعتقالهم خلال احتجاجات عام 2022، يتعرض المعتقلون للعنف الجنسي بشكل شائع؛ حيث يشمل ذلك الاعتداء الجنسي والاغتصاب، بالإضافة إلى التحرش بالأعضاء التناسلية لكل من الإناث والذكور، على حد سواء، واستخدام الألفاظ البذيئة ضدهم.

وأبلغ هؤلاء الضحايا عن تعرضهم للاغتصاب، وفي إحدى هذه الحالات، تعرض رجل للاغتصاب بأداة ما، وبالإضافة إلى ذلك، تعرض الضحايا أو الناجون لعنف جسدي وجنسي شديد، وغالبًا ما كان مصحوبًا بالإهانات اللفظية والتهديدات.

وعلى الرغم من أن معظم الانتهاكات ارتكبها رجال المخابرات وقوات الأمن، فإن هناك تقارير عن مشاركة نشطة للشرطيات، واللاتي يرتدين في كثير من الأحيان الحجاب الإسلامي، في عمليات القمع.

وقالت إحدى النساء، اللاتي أُجريت معهن مقابلات لـ "إيران إنترناشيونال"، إن الشرطيات تورطن بشكل مباشر في العنف الجنسي ضدها أثناء احتجازها.

سنقضي عليك وسنجلب العار لعائلتك

ساناز هي إحدى المتظاهرات المعتقلات اللاتي تم اعتقالهن في ساحة "شهرداري" بمدينة رشت، شمالي إيران، قالت إنه بناءً على الطريق الذي سلكته سيارة عناصر الأمن، فإنها تعتقد أن هذه السيارة ذهبت من "رشت" باتجاه طريق "أنزلي"، وإنه تم نقلها إلى مكان يشبه المدرسة الابتدائية، حيث تعرضت للإيذاء النفسي والجنسي.

وأضافت: "احتجزتني الشرطيات بينما لمس جسدي رجل أمن، وقال لي بلغة فظة للغاية: سنقضي عليكِ، وسيتم العثور على جثتكِ في البحر، وسيتم الإبلاغ عن سبب الوفاة بأنه انتحار، سوف نجلب العار لكِ ولعائلتك".

وفي حالة أخرى، أفادت إحدى الأمهات بأن ابنتها لم تكن قادرة على السير بشكل صحيح، وأن وجهها أصيب بكدمات بعد إطلاق سراحها من سجن "كجوئي". وبحسب قول هذه الأم، فقد ضربها عناصر الأمن بهراوة لدرجة أن إحدى كليتيها قد تضررت، وهي لا تزال تحت إشراف الطبيب. لقد تعرضت لإيذاء شديد نفسيًا وجسديًا.

وقالت والدة الضحية أيضًا إن مسؤولي السجن أخبروا ابنتها بأن "لا أحد ينتظركِ في الخارج، سنقتلكِ وندفنكِ ونخبر والديكي بأنكِ هربتِ".

وتهدف هذه الإجراءات إلى فرض شعور عميق بالخذلان والإذلال والعار على هذا المعتقل، وجعله معزولًا ومشوه السمعة في نظر عائلته. ووفقًا لتقارير "إيران إنترناشيونال"، فإن هذا هو الأسلوب الذي غالبًا ما تستخدمه قوات الاستخبارات والأمن ضد المعارضة.

عنف واسع النطاق وممنهج في الأماكن السرية

وتظهر الانتهاكات الجنسية، التي ترتكبها قوات الأمن الإيرانية، استنادًا إلى الأدلة المقدمة إلى "إيران إنترناشيونال"، أن هذه الأعمال هي جزء من استراتيجية أوسع لقمع المعارضة.

وتشير التقارير إلى أن السلطات استخدمت التحرش الجنسي والاغتصاب في مدن مختلفة ضد المعارضين المحتجزين. وتعد طهران وكرج وآمل ومهاباد من بين المدن التي قدم فيها المعتقلون روايات عن الاغتصاب والتحرش الجنسي.

وفي إحدى هذه الحالات، تقول ناشطة في مجال حقوق المرأة، تدعى هستي في مدينة كرج، إنها تعرضت للاعتداء الجنسي داخل السيارة عندما اعتقلها رجال الأمن.

وقالت هستي: "ضربوني بشدة في السيارة، وبعد أن توقفت السيارة رأيت من خلال العصابة أننا كنا وسط عدة حظائر".

وتضيف: "بينما تم دفع رقبتي إلى الأسفل، تم نقلي إلى إحدى الحظائر، وأمسك رجل بشعري من الخلف وضرب رأسي بالحائط، وكنت قد شعرت بالدوران لبضع ثوانٍ عندما قام بخلع ملابسي ودخل عدة أشخاص آخرين إلى الغرفة".

وشددت هستي على أنه كان "من الصعب جدًا عليّ أن تذكر هذه التجربة، لا أريد أن أعطي المزيد من التفاصيل، فالأمر صعب جدًا بالنسبة لي. أريد فقط أن أقول إنني تعرضت للاغتصاب. وبعد مرور بعض الوقت، تم إرسالي إلى مكان يشبه المستوصف، ووصف لي مضادًا حيويًا".

وتظهر الأدلة أن العنف الجنسي ضد المعارضة كان متعمدًا ومنسقا في أماكن سرية.

ليلى هي متظاهرة أخرى تم اعتقالها في شارع "وليعصر" في طهران. وتقول: "هاجمني 4 من رجال الشرطة من كل جانب وضربوني بشدة وسحبوا وشاحًا على وجهي".

وتضيف: "أُجبرت على الجلوس في السيارة بين اثنين من رجال الشرطة، وقام أحدهما بالضغط على ثديي باستمرار منذ البداية، وقال لقد جلبنا لكِ الحرية. بقيت في السيارة لمدة نصف ساعة إلى ساعة تقريبًا، وعندما سمعت صوت الباب الحديدي ونزلت من السيارة أعطتني برودة الهواء الشعور بأنني كنت في مكان مفتوح".

وأكدت أنها لا تعرف مركز الاحتجاز الذي تم نقلها إليه، مضيفة: "خلع أربعة من رجال الأمن ملابسي، ووضعوا وشاحًا على شكل قبعة على رأسي، وربطوه حول رقبتي، وأخذوا يتحرشون بي جنسيًا. وبعد فترة تركوني على هذه الحالة".

وتقول هذه المتظاهرة المعتقلة: "لا أعلم كم مضى من الوقت. فتح أحدهم الباب، وألقى عليّ بطانية ذات رائحة كريهة، فلففت البطانية حول نفسي ويدي لا تزال مقيدة بأصفاد بلاستيكية".

على الرغم من أن معظم المتظاهرين تم اعتقالهم معصوبي الأعين، فإن العديد من التقارير تظهر أن هذا التحرش الجنسي حدث في أماكن مختلفة، بما في ذلك الشقق والمدارس والأزقة والمستودعات، وأماكن مثل العيادات أو المستشفيات.

تعرض المعارضين الذكور للعنف الجنسي

وتشير الأدلة إلى أن النظام الإيراني استخدم أيضًا العنف الجنسي كاستراتيجية لقمع وترهيب المعارضين الذكور.

واعتقلت قوات الأمن مواطنًا بُدعى حسين، خلال أحد الاحتجاجات في بإحدى جامعات طهران، والذي قال: "ألقوا بي خلف الدراجة النارية. سحبوا قميصي فوقي، وقال الرجل الذي كان يجلس خلفي إنه حتى الله لم يعد يستطيع سماع صوتك بعد الآن. لا يمكنك أن تفعل أي شيء، تفعل كل ما أقوله لك".

وبالإشارة إلى طريقة اقتياد الشرطي له، أكد هذا الطالب أنه لم يتم نقله إلى السجن. وقال "إننا قطعنا مسافة قصيرة من الجامعة فتوقفت الدرجة، وعندما نزلت رأيت صورة غير واضحة لبيوت من الطوب على كلا الجانبين. مكان مثل شارع سنايي".

وأشار حسين إلى ما حدث له قائلاً: "دخلنا شقة. ظل الشرطي يضغط على رقبتي. قام بتثبيتي على جدار الغرفة وأدخل شيئًا ما إلى جسدي. صرخت وبعد فترة غادر. لقد صُدمت".

كما ذكر هذا المتظاهر، وهو أحد ضحايا العنف الجنسي: "بقيت أنزف لعدة أيام، ودخل أحدهم الغرفة، وبعد الفحص قال للأسف فتحة الشرج ممزقة".

وذكر حسين أنه تم إطلاق سراح صديقي بعد شهرين من هذه الحادثة، وقال لي إنه يعرف العديد من الأشخاص الذين مروا بتجربة مماثلة، ولكنهم لا يريدون التحدث عنها.

همايون، هو متظاهر آخر اعتقلته قوات الأمن في آمل، شمالي إيران، يروي أنه تعرض للضرب المبرح أثناء الاعتقال، قائلاً: "كسروا رأسي أثناء الاعتقال وسحبوني على الأرض عندما قاومت".

وقال همايون: "انعطفت السيارة إلى طريق إمامزاد عبد الله، وكنت على يقين بأنهم سيأخذونني إلى سجن آمل".

وأضاف: "أعطوني حقنة في رقبتي أو كتفي عندما دخلت السجن. وقد تم حقن العديد من المعتقلين، ومن بينهم أطفال، بمواد مجهولة خلال حملة القمع التي شنتها قوات الأمن.

ولم تنتهِ المضايقات عند هذا الحد، إذ أكد همايون أن رجال الأمن ركلوا خصيتيه عدة مرات، وقالوا "إنهم سينتهون مني، مما يعني أنهم سيقتلونني".

وأشار إلى سقط مغشيًا عليه من الألم، وعندما استعاد وعيه أجبره عناصر الأمن على الاعتراف بأنه ضرب رجلي أمن.

كما اعتقلت قوات الأمن سيوان، وهو مواطن كردي، في مدينة مهاباد ذات الأغلبية الكردية، وقال إن رجال الأمن سحبوه من شعره الطويل.

وقال سيوان: "لقد كان ألمًا رهيبًا. في السيارة، بينما كان أحدهم يضغط على رأسي، كان الشرطي الآخر يضغط على خصيتي، وكنت أصرخ من الألم".

وأضاف هذا الشاب المتظاهر: "كنت في السيارة لفترة طويلة نسبيا، شممت رائحة قوية لمنظف قوي عندما خرجت من السيارة. في مكان ما مثل المستشفى أو العيادة".

وتابع: "مررنا بممر طويل نسبيًا ووضعوني في غرفة. لم تكن زنزانة. دخل اثنان من رجال الأمن، ونزعوا ملابسي بالقوة. كنت عاريًا في الغرفة لفترة من الوقت. جاؤوا مرة أخرى، هذه المرة وضعوني على كرسي وضربوني. وقال أحد المحققين: حسنًا، ماذا عن ثورة العراة؟"

وقال سيوان عن المحققين معه: "كان رجل أمن آخر يصب عليّ بعض الماء من وقت لآخر بعد ضربي، ويقول عندما نوصلك بالكهرباء سوف تدرك ما سيحدث لك. وبعد فترة تركوني بينما كانت يداي وقدماي مقيدة على الكرسي".

وأضاف سيوان أنه لا يعرف كم من الوقت مضى، قبل أن يفتح باب الغرفة ويُعطى سرواله وقميصه الممزقين لارتدائهما.

الآثار النفسية المستدامة لضحايا الاستغلال الجنسي

جعل الخوف من الاعتقال والتعذيب مرة أخرى على يد مسؤولي النظام الإيراني العديد من الضحايا يلتزمون الصمت، ولا يطالبون بحقوقهم ومحاسبة الجناة؛ حيث لا يزال العدد الفعلي للمتظاهرين الذين تعرضوا للمضايقات والاعتداءات الجنسية غير محدد.

وفي الشهادات المقدمة إلى "إيران إنترناشيونال"، يقول الضحايا إنهم يعيشون صدمات نفسية عميقة بسبب الاعتداء الجنسي، الذي تعرضوا له أثناء الاعتقال.

وقال أحد المتظاهرين المعتقلين إنه بحاجة إلى معالج نفسي لإجراء المقابلة، فيما كشف آخرون أنهم يخضعون حاليًا للعلاج للتعامل مع الآثار النفسية الناجمة عن الحادث.

كما قال البعض إنهم يعرفون بعض المعارضين والمتظاهرين الذين انتحروا بسبب التجربة الأليمة التي عاشوها أثناء الاعتقال.

وتظهر الدراسات أن العنف الجنسي له عواقب آنية وطويلة المدى.

في البداية، غالبًا ما يواجه الضحايا توترًا حادًا، وانفصالاً عاطفيًا، واضطرابات النوم، والإصابات الجسدية، والأمراض المنقولة جنسيا، والحمل غير المرغوب فيه.

وتشمل الآثار الطويلة المدى الاكتئاب المستمر، واضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة، والمشكلات الذاتية، والضيق المعدي المعوي، وآلام الحوض المزمنة، وتعاطي المخدرات.

إن استخدام النظام الإيراني للعنف الجسدي والجنسي لقمع المعارضين هو تكتيك قديم تم توثيقه بأشكال مختلفة منذ تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية.

وعلى الرغم من التقارير الموثقة عن التعذيب والاعتداء الجنسي، فقد نفت الحكومة والسلطات القضائية في إيران مرارًا الاتهامات بإساءة معاملة المتظاهرين والمعارضين، ورفضت قبول أدلة واسعة النطاق في هذا الصدد.